vendredi 27 mars 2009

الهريريات الجزء السادس



ولاية فنّان المضيرة

بعدما قضى في صُفـَّة رسول الله ، دون التفكير بمغادرتها، ما قضى .

 و بعد ما بدا من سوء طباعه و دناءة سلوكه و قبيح سمعته ، نتيجة نقائصه التي لا تعدّ و لا تحصى ، ما جلي و ظهر.
لم يجد النبي أمام نهمه الشّره ، و لزومه الصّفّة الذي لا ينقضي ، و وضاعته التي يأتيها ما بين منبره و حجرة زوجته ، و كذلك أمام أعظم نقيصة فيه ؛جبنه ، لم يجد النبي بدّا من إبعاده ، حتى يريح المدينة و أهلها منه ، و حتى يمنعه من تشويه صورة المجتمع الإسلامي الجديد أمام أضياف و زوّار الرسول و المدينة.
فلقد كان فنّان المضيرة يتماوت أمام منبر الرسول وهو يخطب في النّاس ، كما سبق أن ذكرناه ، و ذلك حسب الحديث الذي رواه البخاري عنه ؛ بأنّه قال : لقد رأيتني و إنّي لأخِـرُّ فيما بين منبر رسول الله إلى حجرة عائشة مغشيا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي و يرى أنّي مجنون! و ما بي من جنون! ما بي إلا الجوع..
(ص 259و260 ج13 من فتح البخاري).
أمّا في شهر جمادى سنة ثمان للهجرة فقد حدث أن أراد فنّاننا أن يجرّب الشجاعة ،و أن يخُطّ لنفسه أسطر البطولات ، فشارك في موقعة مؤتة التي قتل فيها زيد بن أبي طالب و عبد الله بن رواحة . لكن طبعه الجبان غلب عليه منذ أول ما سمع صلصلة السيوف و رأى لمعان الحديد فولّى مدبرا. 
فاسمع ما يحكيه عنه صاحبه الأعرج و الذي هو عبد الرحمن بن هرمز، المكنى أبا داود مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، المتوفى بالإسكندرية حسب كتاب المعارف لابن قتيبة ؛ في الصفحة الثانية عشرة من الجزء الثاني من كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النّيسابّوري ؛ أن فنّاننا قال:
لقد كان بيني و بين ابن عمّ لي كلام فقال : إلا فرارك من مؤتة ؟ فما دريت أي شيء أقوله له
لدا ما أن حلّ شهر ذي القعدة من نفس السنة حتى أمر الرسول بإرسال فنّاننا الثقيل مع العلاء الحضرمي إلى أبعد و أغنى منطقة ،ألا و هي البحرين التي ذكرنا بالعراق ، حيث مكث فنّاننا مؤذّنا إلى أن توفي العلاء.
و في سنة 20 ؛ أو 21 حسب بعض الروايات ؛ ولّاه عمر البحرين بعد أن عزل عنها قدامة بن مظعون على رواية الطبري
( ـ لمّا استعمل عمر بن الخطاب على البحرين قدامة بن مظعون ـكما ذكروا ـ شرب هناك الخمر ، فقدم الجارود القعدي سيد عبد قيس على عمر من البحرين و قال له :إنّ قدامة شرب فسكر ..فقال عمر : من يشهد معك ؟ فقال أبو هريرة ، إذ كان حينئذ معهم هناك ، فدعي أبو هريرة . فقال : لم أره يشرب ، و لكني رأيته سكران يقيء ..فقال له عمر : لقد تنطّعت في الشهادة .و أرسل عمر إلى زوجة قدامة هند بنت الوليد . فأقامت الشهادة على زوجها.( فأيهما المؤمن ؟ فنّاننا أم بنت الوليد ؟) و لمّا أراد عمر أن يحدّ قدامة ، قال قدامة ليس لك ذلك .يقول الله عزّ و جل :ّ
ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( سورة المائدة) . فقال له عمر : أخطأت التأويل فإن بقية الآية (إذا ما اتقوا ) فإنّك إذا اتقيت اجتنبت ما حرّم الله عليك فأمر به فجلد ثمّ رجع فكلّمه و استغفر له .. و لم يحدّ من أهل بدر في الخمر إلا قدامة 
(ص 548 ،ج 2 من الاستيعاب طبعة الهند)

لكن عمر ما لبث أن أتاه عن فنّاننا هو الآخر ما خيب فيه الأمل . فلم يكن عمر بالذي يجهل تاريخ الرجل ، و لا طبع نفسه الدنيء . و لكنه آثر رغم ذلك ؛نظرا لتجربته مع العلاء و طموحه الذي لا حدّ له ؛ أن يؤمّره كما دأب على فعله . فالمعروف عن عمر في استعمال الولاة أنه كان لا يستعمل كبار الصحابة ، حتى لا يدنّسهم بالعمل ، بل كان يستعمل أصغرهم شأنا و أقلّهم قدرا مثل عمرو بن العاص الشاني و معاوية والمغيرة بن شعبة الزاني و كان يولي كذلك الموالي المحتقرين من طرف قريش مثل عمّار بن ياسر الذي ولاّه الكوفة قائلا له حسب ما ورد في الصفحة الخامسة والثلاثين بعد المائتين من كتاب الشيخان للدكتور طه حسين
أردت أن أحقق قول رسول الله عزّ و جلّ (و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمّة و نجعلهم الوارثين..
ففي هذا الإطار جاء تعيين عمر لفنّان المضيرة .كما أن عمر ليس بالذي سيهاب أو يهادن أو يتغاضى عن فنّاننا أو غيره . فلقد كانت سنته إذا بعث عاملا له على مدينة أو ولاية كتب ماله لكي ينظر ماذا سيصرف في ولايته و مدى ما ينتفع منها. فإذا زاد هذا المال بعد توليته شاطره ما يزيد على أصل ماله. و كان من وصيته ألا يقرّ عاملا في عمله أكثر من سنة
(ص80 الفتنة الكبرى ج1)
فبعد أن ولّاه كما ذكرنا ، و رغم أنه يعرف تمام المعرفة سيرة عمر ، فإنه ما لبث أن انتهى إلى خبر عمر عنه أشياء تخلّ بالأمانة ، فعزله و ولّى مكانه عثمان بن أبي العاص الثقفي . و لمّا عاد وجد معه لبيت المال أربعمائة ألف . فقال له: أ ظلمت أحدا ؟ فقال لا . قال : فما جئت لنفسك ؟ قال : عشرين ألفا . قال : من أين أصبتها ؟ قال كنت أتّجر . قال : أنظر رأس مالك و رزقك فخذه ، و اجعل الآخر في بيت المال
(ص338 ج2 تاريخ الذهبي الكبير)
ثمّ أمر عمر بأن يقبض منه عشرة آلاف و في رواية اثنا عشر ألفا.
و روى ابن سعد في طبقاته عن فنّاننا ؛ الذي لهذا أحبه ؛ أنّ عمرا قال له : عدوّا لله و للإسلام . و في رواية أخرى عدوّا لله و لكتابه . سرقت مال الله . و في رواية : أ سرقت مال الله ؟
(ص59 و 60 من ج4 من نفس المصدر أعلاه)
و في رواية أخرى أن عمر قال
هل علمت من حين أنّي استعملتك على البحرين ، و أنت بلا نعلين ، ثمّ بلغني أنّك ابتعت أفراسا بألف دينار و ستمائة دينار . قال : كانت لنا أفراس تناتجت و عطايا تلاقحت . قال : : قد حسبت لك رزقك و مؤونتك ، و هذا فضل فأدّه ، قال : ليس لك ذلك ، قال له عمر : بلى و الله : و أوجع ظهرك . ثمّ قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه ، ثمّ قال له :إيت بها . قال : احتسبتها عند الله. قال : ذلك لو أخذتها من حلال و أدّيتها طائعا ، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبى الناس لك ؟ لا لله و لا للمسلمين . ما رجعت بك أميمة( أمّ أبي هريرة) إلا لرعية الحمر.

أبو قثم 


mardi 24 mars 2009

الحياة الاجتماعية الإسلامية ج 11


نــوادر القوّادين
و القوّادات

دائما في إطار ردّنا على المؤمنين الذين يرمون الإلحاد و العلمانية بالفساد و الفجور نغوص في أعماق سراديب المجتمع المؤمن المثالي لنتلمّس الشّذوذ الإسلامي البحت و نكشف عن المستور الذي يندى له الجبين

كان حمدان بن بُشر قوّادا على أبي نؤاس في زمن وِجارته ، فحدّث أبو حاتم السّجستاني قال :
مرّ أبو نؤاس في بعض سكك النصرة و معه حمدان بن بُشر ، و كان يقود عليه ، فرمقهم النّاي فاستحيوا ،فقال حمدان لأبي نؤاس : ( تقدّم حتّى أتبعك) ، فقال أبو نؤاس : )تقدّمنب أنت * ، ثمّ أنشد :
أقول لحمدان بن بُشْر مجاو
با و قد رشقتنا باللحاظ النواظر
و قَنَّعّ منْه الرأسَ ثُمَّتَ قال لي تــقدّم قليلا إنّني متــأخّــــــر
تقدّم قليلا يعرف النّاس شأننا بأنّــك قــــــوّاد و إنّي مؤاجَر
غلّست يوْماً إلى المسجد الجامع لصلاة الغداة ، فإذا أنا بأبي نؤاس يكلّم امراة عند باب المسجد ، و كنت أعرفه في مجالس الحديث و الأدب ن فقلت : ( مثلك يقف هذا الموقف لحقّ أو لباطل ) ، فمضى ثمّ كتب إلي في ذلك :

إنّ التــي أبصَرْتَني سحرا أكلّمها ، رسول
أدّت إلــيّ رسالــــة كادت لها نفسي تزول
من فاتـــر العينيــن يُتعِــبُ خِصْــرَه ردْفً ثقيل
متنكّب قوس الصّبا يرمي و ليس له رسيل
فلـو أنّ إذْْنَــكَ بيننا حتى تسمَّع ما نـــقول
لرأيت ما استقبحت من أمري هناك ،هو الجميل

و حدّث محمّد بن مظفّر ’ كاتب إسماعيل بن صبيح ، قال : قال لي إسماعيل
قال لي الرّشيد يوما :
( يا إسماعيل ،أَبْغِني (أطلب لي) جارية ، وصيفة فطِنَة ، مقدودة تسقِني ، فإنّ الشرب يطيب من يد مثلها )
قال ؛ فقلت : يا سيّدي على الجهد ، إلاّ أنّي أحبّ أن تصفها لي
فقال لي : إجعل قول هذا العيّار إماماً لك ؛ يعني أبا نؤاس
فقلت : و ما هو ؟ قال : قوله
مـــن كــفِّ ساقيةٍ ناهيك ساقيـةً في حسن قدٍّ و في ظُــرْفٍ و في أدبِ
كــانت لـربّ قيّـان ذي مغالبــة بالكشـخ محتـرِفٍ بالكشـخ مكتســــب
فقد رأت و ردّت عنهنّ واختلفت مــــا بينهــنّ و من يهويـــن بالكتـب
و جُمِّشَتْ بخَفِيّ اللحظ فانجمَشَت و جرّتِ الوعْدَ بين الصّــدق و الكذبِ
تَمَّــتْ فلم يــر إنسان لهــا شبها فيمن برا الله من عجْمٍ و منْ عــرَبِ
قال
فلا و الله ما قدرت على جارية فيها بعض ذلك
أمّا الكشخ فهو القِوادة و جمّشت تعني غوزلت و دوعبت ، أمّا فعل برا يبري الباري فمرادفه خلق يخلق خالق

حدّث الصّلت ، قال :
كنّا عند سفيان بنَ عُيَيْتة ‘ فذكروا قول مالك بن دينار : و أمّا إبليس و الله لقد عصي فما ضرّه ، و لقد أطيع فما نفع فقال له رجل : إن أذنت يا أبا محمّد أنشدتك لهذا العراقيّ ، يعني أبا نؤاس ، في هذا المعنى شيئا,,قال : هات ، فأنشده
عجِبْت من إبليس في كبْرِه و خبْثِ ما أظْهَرَ من نِيّتِهْ
تـــاه على آدم في سجــدة و صـار قوّدا لذرِّيَتِــــــه
فاستضحك سفيان و قال :
و أبيك ، لقد ذهب مذهبا ، و ما تنفكّ عن مُلْحَةٍ تأْتينا من هذا الشّاعر

قال أبو منصور الثعالبي
و من أحسن ما سمعت في قوّاد قول السرّيّ الموصليّ في رجل اسمه إدريس
من ذمّ إبليس في قيادته فإنّني شاكر لإدريس
كلّم لي عاصيا فصار له أطوع من آدم لإبليس
و كان في سرعة المجيء به آصف في حمل عرش بلقيس
و آصف هو كاتب النبي سليمان و هو الذي دعا الله بالاسم الأعظم فرآى سليمان العرش مستقرا عنده

أمّا المأمون فيؤثر عنه

بعثتـك مرتــاداً ففُـــــزْتَ بنظــرة و أخلفْتَني حتّى أسأت بك الظّنّا
و ناجيْتَ منْ أهوى و كنت مقرّبا ليت شعري عن دُنُوِّكَ ما أغنى
و ردّدت طرفا من محاسن و جهها و متّعت باستسماع نغمتها أذنا
أرى أثــرا منهــا بعينيك لم يكن لق د سرَقَتْ عيناك من وجْهها حسنا
و من هؤلاء الأرسال من يميل للمعشوقة و يميل إليه فيتآلفان و يتركان العاشق المرسل

حدّث الرّياشيّ قال:

كان أبو ذؤيب يبعث ابن عمّ له ، يقال له خالد بن زهير ، إلى امرأة كان يختلف إليها، يقال لها أمّ عمرو ، و هي التي كان يشبب بها ، فراودت الغلام على نفسه فأبى ذلك حينا و قال : أكره أن يبلغ أبا ذؤيب. ثمّ طاوعها ، فقالت :ما يراك إلا الكواكب !!
فلمّا رجع إلى أبي ذؤيب قال :قال و الله إني لأجد ريح أم عمرو فيك !!فقال فيهما
تريدين كيما تجمعيني وخالدا وهل يجمع السيفان،ويحك، في غِمْدِ
أخالد ما راعيت منّي قرابة فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي
فردّ عليه خالد
فإنّ التي فينا زعمتَ و مثُلَها لفيكَ ، و لكنّي أراك تجوزها
ألم تنتقِذْها من يد ابن عويمر و أنت صفيّ نفسه و وزيرها
فلا تجْزعنْ من سنّة أنت سرتها فأوّل راضي سنّة من يسيرها
شرح أشعار الهذليين للسّكّري ، ج 1 ، تحقيق عبد الستار أحمد فراج ، بيروت

أبو قثم

samedi 21 mars 2009

العصمة لا تكون إلا لنبي


و الله يعصمــك من الــنّاس

لُقِّنْتُ في عصــــر الشّباب حقائقــا  
 فـي الدّيـن تقصــر دونها الأفهام

ثم انقضى عصر الشباب و طيشه  
  فــإذا الحقائق كلّــها أوهـــــام

معــروف الرّصافي

ومن ضمن ما لّقنت حقيقة أنّ أنبياء الّرحمن لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ، فضّلهم و خصّهم بعنايته الرّبّانية  و عصمته الإلهية
يقول  ربّ قثمّ  في الآيه 68 من سورة المائدة
و الله يعصمك من الناس
قال ابن كثير في تفسير قوله ؛ و الله يعصمك من الناس ؛ أي بلّغْ أنت رسالتي و أنا حافظك و ناصرك و مؤيدك على أعدائك و مظْفرك بهم ،فلا تخف و لا تحزن فلن يصل أحد منهم إليك يسوء يؤذيك . و قد كان النبي قبل نزول هذه الآية يحرس كما قال الإمام أحمد.
و يعني بقوله :( و الله يعصمك من النّاس) يمنعك من أن ينالوك بسوء
عن عبد الله بي موهب عن عِصمة بن مالك الخطمي قال : كنّا نحرس رسول الله بالليل حتى نزلت ( و الله يعصمك من الناس) فترك الحرس.
قال ابن عباس قال النبي : ( لمّا بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني فأنزل الله هذه الآية) و كان أبو طالب يرسل كل يوم مع الرسول الله رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزل ( و الله يعصمك من النّاس) فقال : يا عمّاه، إنّ الله قد عصمني من الجنّ و الإنس فلا أحتاج إلى من يحرسني .قلت : و هذا يقتضي أنّ ذلك كان بمكة ، و أنّ الآية مكّية و ليس كذلك،. وقد تقدّم أنّ هذه السّورة مدنيّة بإجماع ، وممّا يدلّ على أنّ هذه الآية مدنية ما رواه مسلم في الصّحيح عن عائشة قالت : سهر رسول الله مقْدَمه المدينة ليلة فقال ( ليت رجلا من أصحابي يحرسني الليلة )، قالت :فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح ، فقال ( من هذا؟) قال : سعد بن أبي وقّاص ، فقال له رسول الله : (ما جاء بك ؟) فقال : وقع في نفسي خوف على رسول الله، فجئت أحرسه؛ فدعا له رسول الله ثمّ نام ،و في غير الصحيح قالت : فبينا نحن كذلك سمعت صوت السلاح فقال (من هذا؟) فقالوا : سعد و حذيفة جئنا نحرسك ، فنام حتى سمعت غطيطه و نزلت هذه الآية، فأخرج رسول الله رأسه من قبّة آدم و قال ( انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله )
تفسير ابن كثير و الطبري و القرطبي و الجلالين في شرح الآية68 من المائدة
إذا فالآية صريحة المعنى و واضحة المعالم :والله يعصمك من الناس ،أي أنه يمنع عنك السوء و الأذى



لكن الغريب أن هذا النبي سحر
و رواية سحره من الروايات المشهورة و الصحيحة و المروية عن أم المسلمين عائشة ، و المذكورة في أصح كتب الحديث
ففي الصحيحين تثبت عائشة أن النبي سحره يهودي من يهود بني زريق ، يقال له لبيد بن الأعصم ، حتّى يخيّل إليه أنه كان يفعل الشيء و لا يفعله ، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث.
عن النبي قال: (يا عائشة أُشعِرْت أنّ الله أفتاني فيما استفتيه فيه . أتاني ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسي ، و الآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي : ما شأن الرّجل ؟ قال : مطبوب. قال و من طبّه ؟ قال لبيد بن الأعصم . قال في ماذا ؟ قال في مشط و مشاطة و جف طلعة ذكر ، تحت راعوفة في بئر ذي أوران) فجاء البئر و استخرجه.

قثم إذا كان يتخيل أنه يفعل الشيء و هو لم يفعله ، أي أن الشيطان من خلال السّحر قد أخذ بعقله و إرادته ، فكان يفعل الشيء و كأنه لم يفعله ، و هو نفسه لم يكن يعلم ما به و ماذا يفعل.
عن عائشة قالت (سحر النبي) حتى إنه ليخيّل إليه أنّه يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم و هو عندي دعا الله و دعاه ، ثمّ قال : أُشعرت يا عائشة أنّ الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ، قلت و ما ذاك يا رسول الله . قال : جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي و الآخر عند رجلي ، ثمّ قال أحدهما لصاحبه ممّا وجع الرجل ؟ قال : مطبوب ،قال : و من طبّه ؟ قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق ، قال : في ماذا ؟ قال في مشط و مشاطة و جف طلعة ذكر. قال: فأين هو ؟قال في بئر ذي أوران..قال فذهب النبي في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها و عليها نخل ثمّ رجع إلى عائشة فقال : و الله لكأنّ ماءها نقاعة الحناء و لكأنّ نخلها رؤوس الشياطين . قلت يا رسول الله أفأخرجته ؟ قال لا أمّا أنا فقد عافاني الله وشفاني و خشيت أن أثور على الناس منه شرّا. و أمر بها فدفنت
البخاري 5324 ـ2912 ـ ـ 3004

عن عائشة أن النبي سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا و لم يصنعه
البخاري 293 ـ أحمد 18467 ـ أحمد 23165 ـ أحمد 23211

و قد أيدت كتب الشيعة بدورها هذا الحديث و هي المعروف عليها حرصها الشديد على عصمة خير البشر
فعن علي أنّ لبيد بن أعصم اليهودي قد سحر النبي . فأقام ثلاثا لا يأكل و لا يشرب و لا يسمع و لا يبصر و لا يأتي النّساء. فنزل عليه جبرئيل عليه السلام و نزل معه بالمعوّذتين فقال له : يا محمّد ما شأنك ؟ قال : ما أدري أنا بالحال الذي ترى ،ثمّ أخبره بقصّة سحر ابن أعصم له .
تفسير فرات 2/619 . طبّ الأئمّة 118 ، البرهان 5/ 718 ،719 المناقب1/395

و في رواية عن الصادق:
 و كان يرى أنه يجامع و ليس يجامع و كان يريد الباب و لا يبصره حتى يلمسه بيده
طبّ الأئمّة114 البرهان 4/529
 


و الأغرب من هذا وذاك هو أن القرآن في الآية 42 من سورة الحجر يقول
إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتبعك من الغاوين
فحسب هذه الآية فإن سلطان الشيطان ليس إلا على الغاوين و غير المتوكلين على الله و الذين هم بالله مشركون
فإذا كان الأمر كذلك و أنه ليس له سلطان على المؤمنين فكيف جاز السحر الشيطاني على صفيّ الله و خير البرية؟
و إذا كان نبي الله و زعيم المسلمين و قائدهم و قدوتهم قد وقع فريسة سهلة لسحر الشيطان!! فما حول و قوة بسطاء المسلمين أمام قوّة الشيطان الذي أسقط نبيهم لمدة سنة في تخيلات عجيبة!!؟
فأيّ أذى هذا الذي عصم الله نبيه منه
  ثمّ كيف كان النبي يصلي بالناس و يستقبل الوفود و يقود المعارك في تلك المدة التي قيل أنه كان مسحورا، حتى أنه يخيّل إليه أنه يفعل الشيء و لا يفعله؟

هل بقي في بيت عائشة أم المؤمنين كل تلك المدة لأن الحديث تحدث عنها فقط؟

هل نزل عليه وحي في تلك المدة ؛ فما هو ؟ أم هي من المدة التي انقطع عنه الوحي فيها؛ و كان يريد أن ينتحر من فوق أعالي الجبال؟ 

هل العليم القدير لم يقدر أن يعصمه من الناس فتمكن منه لبيد اليهودي فسحره طيلة هذه المدة؟
المسلمون الجدد و دعاة الإصلاح الدّيني أصبحوا اليوم يعزفون على نغمة تلك أحاديث ضعيفة مشكوك في صحّتها.
و نحن لا نريد منهم غير ذاك
كما أننا لا نقول شيئا آخر سوى أن هذه الأحاديث المختلقة ، حسب بلهاء الإيمان ، كافية وحدها لتكذيب كلّ ما جاء به قثم عليه السلام

في الحلقة المقبلة سنقف على فلتة أخرى من فلتات عصمة قثم

أبو قثم


mercredi 18 mars 2009

الهريـــريات الجزء الخــامس


الهريريات

الجزء الخامس

إبعاد أبي هريرة ( تتمة




تبين مما ذكرنا آنفا أن فنّان المضيرة قدم من بلاده على النبي وهو بخيبر سنة 7 ه‍ وأن النبي
 بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين بعد منصرفه من الجعرانة ، بعد أن قسم مغانم خيبر، وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة 8 ه‍ .
 وبذلك تكون مدة إقامته بجوار النبي - مقيما مع أهل الصفة تبتدئ من شهر صفر سنة 7 ه‍ وتنتهى في شهر ذى القعدة سنة 8 ه‍ ـ 
وإذا حسبنا هذه المدة وجدنا أنها لا تزيد على سنة واحدة وتسعة أشهر فقط ! 
وهاك نص ما قاله أبو هريرة في ذلك ونقله ابن سعد في طبقاته الكبرى (ص 77 ج 4 ق 2) عن سالم مولى بنى نصر قال:
 سمعت أبا هريرة يقول:
 بعثنى رسول الله صلى الله عليه وآله مع العلاء بن الحضرمي وأوصاه بى خيرا، فلما فصلنا قال لى: إن رسول الله قد أوصاني بك خيرا، فانظر ماذا تحب ؟ قال قلت: تجعلني أؤذن لك ولا تسبقني بآمين. فأعطاني ذلك
وقد جاء هذا الخبر بحرفه في الاصابة لابن حجر العسقلاني (ص 204 ج 7) وإليك نص ما قاله: 
" بعثنى رسول الله مع العلاء بن الحضرمي فأوصاه بى خيرا، فقال لي : ما تحبّ ؟ فقلت : أؤذن لك و لا تسبقني بأذاني: 

 ولما ذهب إلى البحرين، كان عمله هناك (التأذين) كما طلب هو، ولو أن العلاء كان يأنس منه القدرة على أداء أي عمل دينى، لما قال له: انظر ماذا تحب ؟
 وكذلك لو كان النبي يعلم منه أنه كفؤ للقيام بأي أمر من أمور الدين لقال للعلاء وهو يوصيه: إنى أرسله معك ليعلّم الناس دينهم، كما كان يرسل غيره مثل معاذ بن جبل وابن مسعود، وأبى موسى الاشعري، الذى أسلم مع أبى هريرة في وقت واحد - وغيرهم - ليعلموا الناس دينهم ! 

قال الغزالي في المستصفى إنه قد تواتر أن الرسول صلى الله عليه وآله كان لا ينفذ أمراءه
 وقضاته ورسله وسعاته إلى الاطراف إلا لقبض الصدقات وحل العهود وتبليغ أحكام الشرع . وليس أبو هريرة من هؤلاء جميعا في شئ).
(ص 96 ج 1)
 نخلص من ذلك كله، أن أبا هريرة لم يكن يفقه شيئا من أمور الدين ينفع الناس به في زمن
 النبي صلى الله عليه وآله وزمن أبى بكر وعمر وعثمان . 
أما التأذين الذى كان يحسنه مع العلاء بن الحضرمي؛ وظل يؤدية إلى زمن مروان بن الحكم الذى كان واليا لمعاوية على المدينة بعد سنة 41 ه‍ التى تمت فيها الغلبة لمعاوية؛ فيبدو أن إحسان أبى هريره له إنما جاءه، لانه كان يجيد الحداء في زمن شبابه أيام خدمته لابن عفان وبسرة ابنة غزوان - وبذلك يثبت ثبوتا قاطعا صحة ما حققه ابن سعد في طبقاته وغيره من أن أبا هريرة لم يظهر بالفتوى والتحديث إلا بعد مقتل عثمان - 
 
ثم إن العلاء لما غزا زارة ودارين ، و هما من أعمال البحرين ، في خلافة عمر بن الخطاب رأى أبو هريرة أن يهتبل هذه
 الفرصة لكى يزدلف بشئ إلى مولاه العلاء، فأخذ يظهر براعته في تصوير ما بهره مما زعم أنه (شاهد بنفسه) من بطولة العلاء وشجاعته في هذه الغزوة ، مما يجعله في منزلة سعد بن أبى وقاص أو خالد بن الوليد في البطولة. فكان كلامه في ذلك أقرب إلى الخرافات منه إلى الحقيقة، وإليك شيئا مما قاله لكى تقف على مقدار براعته وتفننه في الرواية !
 
فلقد زعم أنه كان مع العلاء بن الحضرمي لما بعث في أربعة آلاف إلى البحرين فانطلقوا حتى أتوا على خليج من البحر ما خاضه قبلهم أحد ! ولا يخوضه بعدهم أحد ! وأخذ العلاء بعنان فرسه فسار على وجه الماء ! وسار الجيش وراءه، قال:
فوالله؛ ما ابتل لنا قدم ولا خف، ولا حافر ! 
وفى حديث آخر : (رأيت) من العلاء أشياء لا أزال أحبه أبدا، قطع البحر يوم دارين وقدم يريد البحرين، فدعا الله بالدهناء، فنبع لهم ماء فارتووا، ونسى رجل منهم بعض متاعه فرد عليه فلقيه ولم يجد الماء، ومات ونحن على غير ماء فأبدى الله لنا سحابة فمطرنا فغسلناه، وحفرنا له (بسيوفنا) ودفناه ولم نلحد له ! 
وفى رواية له قال: دفنا العلاء، ثم احتجنا إلى رفع لبنة فرفعناها فلم نجد العلاء في اللحد: 
وكل الذى هول به أبو هريرة لم تكن حقيقته إلا أن جيش العلاء لمّا تحصن منه في دارين جمْع من المحاربين له - وكان الماء يفصل بينهم ـ دلّه كراز النكرى على مخاضة في الماء فخاضها العلاء بجيشه ووصل إلى دارين وفتحها، 
(وقد عبر إلى دارين من مخاضة كان يخوض منها الناس وأن كراز النكرى هو الذى دلهم عليها ). 
  
إرجع في ذلك إلى الاستيعاب لابن عبد البر، والاصابة لابن حجر، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ومعجم البلدان، وفتوح البلدان للبلاذرى، وطبقات ابن سعد ص 162 ] 

من هذا كله يتبين بما لا شك فيه أن فنّان المضيرة قد ظل بالبحرين من يوم أن بعثه النبي مع العلاء في سنة 8 ه‍ ، ولم يعد إلى المدينة لا في عهد النبي صلى الله عليه وآله ولا في عهد أبى بكر، وهذا ينافى قطعا ما زعمه هو من أنه أقام مع النبي ثلاث سنين ، حيث يروى عنه أنه قال :
قدمت ؛ و الله ؛ ورسول الله صلى الله عليه و سلّم بخيبر، و أنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات ، و أقمت معه حتى توفي أدور معه في بيوت نسائه و أخدمه و أغزو و أحج معه و أصلي خلفه ، فكنت و الله أعلم الناس بحديثه 
سير أعلام النبلاء ، ج2 ، ص605

فأول ما يتبادر إلى الذهن ، و نحن نقرأ هذا الحديث ،هو ما الذي اضطر فنّان المضيرة إلى القسم بالله مرّتين فيه؟
و هل محدث ،راوية من طينة أبي هريرة ،محتاج للحلف و القسم حتى يصدّق الناس أقواله؟
ثمّ لو لم يكن في أقواله ما يدعو إلى الشكّ و الرّيبة هل سيحتاج للقسم ؟
يقولون و من تكون يا أبا قثم حتى تكذّب أبا هريرة الصحابي الجليل و تتهمه بالتلفيق و التزوير,؟
و هل يصح أن يكذب صحابي ممن يرجع لهم الفضل الكبير بعد رسول الله في تشييد صرح هذا الدين العظيم؟
و الحقّ الحقّ ، أني لست ابن قتيبة الذي قال بأنّه أول راوية أتهم في الإسلام,و لا أنا من توجه إليه أبو هريرة بقوله
إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله (ص) ـ صحيح البخاري كتاب البيوع ، حديث 1906 ـ
أو بقوله
يقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله ، و الله الموعد ـ نفس المصدر كتاب المزارعة ، حديث 2179 ـ
أو قوله عند مسلم
إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ( ص ) ـ صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، حديث 4547
فروايات فناننا هذه تبين إلى أي مدى كان مثار شبهات في عصره و من طرف معاصريه . 
فإذا كان عدد الأحاديث التي يرويها عن النبي و الموثقة باسمه في الكتب التسعة ، يصل إلى 8740 حديثا على 62169 حديثا موثقا حسب ترقيم العالمية فإن نسبة ما رواه فنّاننا تكون هي 14,05 من مجموع الأحاديث ، أي ما ينيف عن السبع,
أفلا يعد هذا لوحده مدعاة للتشكيك في مصداقية الرجل و اتهامه بالمبالغة المقصودة في الحديث؟
أمّا إذا أضفنا إليه ما أورده البخاري بسنده إلى أبي هريرة حين قال :
و تقولون ما بال المهاجرين و الأنصار لا يحدّثون عن رسول الله ( ص ) بمثل حديث أبي هريرة ـ صحيح البخاري ، كتاب العلم ، حديث 1906 ـ
و ما ورد عند الإمام أحمد بسنده إلى أبي هريرة من أنه قال
إنكم تقولون ما بال المهاجرين لا يحدّثون عن رسول الله (ص) بمثل هذه الأحاديث ، و ما بال الأنصار لا يحدثون عن رسول الله (ص) بهذه الأحاديث. ـ مسند أحمد ، باقي مسند المكثرين ، حديث 7380
فإننا نجد أن ما اتهمه به معاصروه يزداد و يتفاقم
فهذه تهمة أخرى، تهمة الإختلاف في أحاديثه التي لم يرد مثلها لا عند المهاجرين و لا الأنصار ,تنضاف إلى تهمة الإكثار في التحديث
و العجيب أن فنّاننا يورد تهمه ، و في نفس الوقت يأتي بدافاعه عن نفسه ممارسا لعبة القط و الفأر، و القاضي و المتهم
ففي دفاعه عن المبالغة في التحديث ، يروي البخاري بسنده إليه أنه قال
و لولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثا ، ثمّ يتلو ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات و الهدى إلى قوله (الرحيم) ـ الآية 160/159 ، سورة البقرة ـ 
صحيح الخاري ،كتاب الطّبّ ، حديث 115
و يروي في نفس الإطار ابن ماجة في سننه عنه قوله 
و الله لولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت عنه ، يعني عن النبي (ص) ، شيئا أبدا لولا قول الله : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب إلى آخر الآيتين (الآية147 ، سوة البقرة ) سنن ابن ماجة ،المقدمة ،حديث 258
فتبعا لهذا الدّفاع نجد فنان المضيرة يعتبر ما عنده من الأخبار علما لا ينبغي كتمانه ، و يعتبر نفسه المقصود بالآيتين : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ، اولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون ، إلا أن تابوا و أصلحوا و بيّنوا فأولئك أتوب عليهم و أنا التّوّاب الرّحيم .
فأخباره إذا من البيّنات و الهدى الذي بيّنه الله في الكتاب ، و لذلك لا يجوز كتمانها و يجب التحديث بها
و الغريب أن فنّاننا قال في حديث مقابل رواه البخاري بسنده إليه ، في كتاب العلم ، تحت رقم 117
يقول
حفظت عن رسول الله وعائين ، فأمّا أحدهما فبتثه ، و أما الآخر فلو بثتّه قطع هذا البلعوم.
فلماذا يا ترى كتم وعاءا كاملا من العلم ؟ و أي علم هذا الذي يوضع في الأوعية ؟
و من جهة أخرى إذا كانت أحاديثه التي ينفرد بها تعتبر فعلا من البينات و الهدى المبَيّن في الكتاب ،و لا يحدّث بها المهاجرون و الأنصار ، فهل يمكن اعتبارهم كتموا جزءا من الكتاب ؟ 

ففي إطار ردّه على تهمة إختلاف أحاديثه عن أحاديث المهاجرين و الأنصار يروي عنه
 البخاري في صحيحه كتاب العلم ح 115 أنه قال
إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق ، و إن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم
كما يروي عنه مسلم في صحيحه قوله
و كان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق ،و كانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم
صحيح مسلم ،كتاب فضائل الصحابة ،حديث 4547
فهو إذا لم يكن منشغلا بمال و لا تجارة تمنعه من حضور مجالس التحديث ، التي يتغيب عنها المهاجرون و الأنصار لكونهم منشغلين بها 
و هذا ما نسمعه منه مباشرة عندما يقول في الحديث 7380 من باقي مسند المكثرين مسند أحمد ، حيث يقول :
و إني كنت أمرأ معتكفا و كنت أكثر مجالسة رسول الله ( ص ) أحضر إذا غابوا و أحقظ إذا نسوا
إذا فأبو هريرة كان متهما في عصره من طرف معاصريه ،و من الناس عامة ،و من الصحابة من الأنصار و المهاجرين، لهذا كان محتاجا لكل هذه الردود و الدفوعات المجانية التي نجدها مبثوته هنا و هناك في كتب السنة,
على أن هذه الردود تثير الكثير من الإشكاليات التي سنعرض منها في آخر هذا المقال لما يلي 
إذا كان أبو هرية قد صحب النبي ،ضدّا على ما قلناه و تبعا لما رواه هو ـ لمدة ثلاث سنين ،أوّلا و كان هؤلاء المهاجرون و الأنصار منهم من صحب النبي لأكثر من العقد أو العقدين من الزمن ، و منهم من له به علاقة قرابة و مصاهرة و صحبة و خدمة و جوار ، و تشهد لهم الروايات المختلفة بملازمة الرسول ، فلم لا يحدّثون بمثل الذي يحدث به فنّاننا ؟
ثانيا، إن الملازمة الهريريه للرسول ، التي يفرد لها كما سبق أن رأينا، سيلا من الأحاديث لا يشهد بها المهاجرون و لا الأنصار , فإنك لا تجد له أثرا فيما يتعلّق بالسنوات التي يقول أنه لازم النبي (ص) فيها ، إلا ما يذكره و يرويه هو نفسه
كما لا تجد له أثرا يذكر قي الأحداث التي كانت عند وفاة النبي و التي تلتها. فهو لم يشارك في احتضاره و لا جنازته و لا دفنه ، و لا في اختيار الخليفة الأول و لا الثاني . و لا غيرها من الأحداث التي كان لملازمي النبي فيها أثر كبير و ذكر عظيم . فلم يذكره أحد و لم يشهد به أحد . 
ثالثا ، إذا كان للأنصار و المهاجرين أشغال و أموال تلهيهم و تمنعهم عن ملازمة الرسول،
 أ فلم تكن للرسول أشغال و مهامّ تلهيه عن ملازمة فنّان المضيرة؟؟ 
أم أنه كان هو الآخر معتكفا بالمسجد لا يبرحه إلا برفقة فنّاننا,؟

إلى الحلقة القادمة من هريرياتنا

أبو قثم 

)

jeudi 12 mars 2009

الحياة الإجتماعية ج 10




نـــوادر القوّادين و القوّادات

كما سبق أن تواعدنا عليه ، في الحلقة الثالثة من الحياة الاجتماعية ، من سبٍر لسراديب المجتمع الإسلامي للوقوف على المظاهر الجنسية و الأخلاقية ، التي أفرزها النظام الإسلامي الجنسي  ، بعد أن هدم كل أنظمة النكاح التي كان يطفح بها العصر الأمومي الجاهلي


و من أبرز تلك المظاهر و أشنعها القوادة.
و قد ثبت عن البحاثة الإسلامي شهاب الدّين أبو العباس بن يوسف التيفاشي أن أصناف القوادين إثنان و عشرون صنفا . منها عشرون على الإناث و إثنان على الذّكور ، من النساء عشرة و من الرّجال عشْرة ، و إثنان ليسا هم من الرّجال و لا من النساء . و هما ممازجا الصنفين و هم : الخدّام و المخنّثون.
فأما القوّادون الذين على الإناث ، فهم : الحوش ، ثم حوش الحوش ، ثم المعرّس ، ثمّ السمسار ، ثمّ الدّوّار ، ثم الدَّكْدَفُ ، ثم المرحّل ، فالمسكّن ؛ و كلّهم على القِحاب . و أمّا الذين على الرجال فهما المستعشقود و هو اسم مركب من كلمتين ، و هما العشق و القيادة .( و ذلك أنه يكون لوّاطا فقيرا لا يبلغ  وِسعة  للاتصال بالغلمان الحسان ، و نيل الغرض منهم فيقود عليهم ، قإذا ارتهنوا معه في ذلك و انكشفوا له لم يسعهم مخالفته ، و ربما دبّ عليهم و هم سكارى أو نيام )؛ و صندل . و هو غلام أمرد ، إلاّ أنّه ليس بفأرة(أي مليح حسب معجمهم) و لا نافق ( كاسد) و لا مرغوب فيه لقلّة جودته ، فيقود على الغلمان. فإذا اتفق أن أخلف غلام ميعاد رفيقه ، و قد تجهّز الطّعام و الشّراب و المنزل الخالي و استحكم شَبَقُ اللاّئط و لم يجد أحدا ، ردّ يده على الغلام القوّاد و اكتفى به . ذاك هو صندل عاشر القوادين من الرّجال
و أمّا أنواع القوّادات فهن 
المريدة ، و الحاجيّة (بمعنى الحاجبة) ، و المتصرّفة ، و الدّلاّلة ، و القابلة ، والماشطة ،والحمّامية (صاحبة الحمّام او العاملة فيه) ، و الخافضة ( أي من تقوم بخثان النساء) ، و الطُّرُقيّة ( العرّافة) ، و الحجّامة ( محترِفة الحِجامة). 

على أن نتوجّه الآن إلى السراديب حيث نلتقي بكل هذه الأصناف متعاملة في المجتمع
 المحمدي,
 
جاء في غريب الحديث عن رسول الله (ص) : لا يدخل الجنّة صقّار. و هو القوّاد
و عنه (ص) إن الله غرس الفردوس بيده و قال : و عزّتي و جلالي لا يدخل مدمن خمر و لا دَيّوث
و عنه (ص) لا يدخل الجنّة دَيّوث و لا يقبل الله من الصقور يوم القيامة صرفا و لا عدلا..
و جاء في غريب الحديث عن رسول الله (ص) :إن الله غرس الفردوس بيده و قال : و عزّتي و جلالي لا يدخل الجنّة ديّوث و لا يقبل الله من الصّقور يوم القيامة صرفا و لا عدلا...
و عنه (ص) : لا يدخل الجنّة القُنْدُع . و هو القوّاد
و من أسماء المرأة القوّادة التي كانت قبل ذلك بغيّا : الواصلة.
فروي عن عائشة (ض) أنها قالت : ليست الواصلة التي يعنون ، و لا بأس إذا كانت المرأة زعراء أن تصل شعرَها ، و لكن الواصلة أن تكون بغيّا في شبابها ، فإذا يئست وصلته بالقيادة... و أمّا الزعراء فهي قليلة الشعر ، و أمّا الواصلة فقد جاء في لسان العرب لابن منظور أن الواصلة من النساء مَن تصل شعرها بشعر غيرها ، و المستوصلة هي الطالبة لذلك و التي يُفعل بها ذلك . و في الحديث أن النبي ، لعن الواصلة و المستوصلة...
و روي عن عائشة (ض) أنها قالت : ليست الواصلة بالتي تعنون ، و لا بأس أن تعرّي المرأة عن الشعر قتصل قرنا من قرونها بصوف أسود ، و إنما الواصلة التي تكون بغيّا في شبيبتها . فإذا أسنت وصلتها بالقيادة,,
 و من كبار القوّادات: ظُــلْمةِ ، التي تضرِب بها العرب المثل ، فيقولون:
أقود من ظُلْمَــةَ
يقول التيفاشي
و العامّة تذهب بهذا المثل عن غير مذهبه ، فيقولون أقود من الظّلمة يعنون بذلك : الليل،و يضيف : لعمري إن لهذا وجها ، إلا أنّ المثل لم يجئ إلا في المرأة المسمّاة : ظُلمة, أمّا وجه ما يريده النّاس من ذلك أيضا فصحيح، و ذلك إنّ الظّلام يستُرُ المُحبّ في زيارة محبوبه ، و يجمع بينه و بينه لغيبة الرقيب ، فينزل منزلة القوّاد. و كذلك الفجر ، لمّا كان يفضحه أنزلوه منزلة النّمّام... 
و في نفس الصدد
حكي أن أبا الطّيّب المتنبّي لمّا أنشد كافور قصيدته التي مستهلّها:
من الجآذر في زي الأعاريب
فبلغ قوله : 
أزورهم و ظلام الليل يشفع لي
و أنثني و بياض الصّبح يغري بي

حسده جميع الأدباء الحاضرين بمجلس كافور على هذا البيت لما فيه من بديع التقابل، فقالوا : تراه أخذ هذا المعنى من أحد أو هو له ؟ فقال لهم شيخ راوية للشعر، كان يحضر المجلس و لا يكاد يسلم أحد من اعتراضه ؛ يقول الثعالبي في يتيمة الدهر أنه ابن جنّي؛( أجِلّوني ثلاثة أيام ، فأنا آتيكم به )فأجّلوه. فأتاهم فقال: البيت مسروق من مصراع لابن المعتزّ ، صغير العروض ، خامل اللفظ ، و هو قوله من هذا البيت:
لا تَلْقَ إلاّ بليل مَنْ تُواعِدُه
فالشّمسُ نمّامة و الليلُ قَوّادُ

ـ يتيمة الدهر ، الثعالبي ج1 ص115
 
و نرجع لما نحن فيه لنقول:
إن الظّلمة التي يضرب بها العرب المثل في القيادة امرأة من العرب ذكروا أنها كانت صبية في المكتب ، فكانت تسرق دُوِيّ الصّبيان و أقلامهم فلمّا أشبّت زنت ، فلمّا عجزت قادت ، فلمّا قعدت اشترت تيسا فكانت تنزيه في بيتها على العنوز
و حكى المدائني
أن رجلا من عمّال السلطان كان لا يزال يأخذ قوّادة و يسجنها ثمّ يأتيه مَن يشفع فيها فيُخرجُها ، فلمّا كثر ذلك عليه أمر صاحب شرطته فكتب في قصّتها:
 تجمع بين النّساء و الرّجال ، لا يتكلم فيها إلا زان
فإذا أتاه أحد يتكلّم فيها قال : أخرجوا قصّتها ننظر فيم سُجِنَتْ..
فإذا قرئت القصّة قام الشفيع مستحياً
و حكي عن المبرّد:
أنه كان له غلام يقود له على الغلمان ، فقال له ذات يوم بمحضرٍ من الناس: ( إمض فإن رأيتَه فلا تقُلْ ، و إن رأيْتَهُ فقلْ ) . فذهب الغلام ثمّ عاد فقال : (لم أرَهُ فقلتُ له ، فجاء فلم يجئ ) ، فسئل الغلام بعد ذلك عن معنى هذا الكلام فقال: (أنفذني إلى غلام فقال : إن رأيت مولاه فلا تقل له ، فذهبتَ فلمْ أر مولاه فقلت للغلام ، ثمّ جاء مولاه فلم يجئ الغلام

هذه بداية السرداب الإسلامي 
هذه بداية نفق المجتمع الإسلامي 
هذه الصفحة الأولى من القاع الإسلامي التي يسعدنا أن نردّ بها على من يتّهمون الملحدين و الإلحاد بالفجور و الفسوق و عدم الأخلاق
فإلى صفحة أخرى من القاع العربي الإسلامي 

أبو قثم

lundi 9 mars 2009

عيد ميلاد خير اليشر




 
  قصيدة البردة للإمام البوصيرى
 فى مدح سيدنا قثم عليه السلام



مولاي صلــــي و سلــــم دائمـــاً أبــــدا
علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم

أمن تذكــــــر جيــــــرانٍ بذى ســــــلم
مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــــدم

أَمْ هبَّــــت الريـــــحُ مِنْ تلقاءِ كاظمــةٍ
و أَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم

فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتـــــــــــــــا
و ما لقلبك إن قلت استفق يهـــــــــم

أيحسب الصب أن الحب منكتـــــــــــم
ما بين منسجم منه و مضطــــــــرم

لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـــــللٍ
و لا أرقت لذكر البانِ و العلــــــــــمِ

فكيف تنكر حباً بعد ما شـــــــــــــهدت
به عليك عدول الدمع والســـــــــقمِ

و أثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضــــــــنى
مثل البهار على خديك و العنــــــــم

نعم سرى طيف من أهوى فأرقنـــــــي
و الحب يعترض اللذات بالألــــــــمِ

يا لائمي في الهوى العذري معـــــذرة
مني إليك و لو أنصفت لم تلــــــــــمِ

عدتك حالي لا سري بمســــــــــــــتتر
عن الوشاة و لا دائي بمنحســـــــــم

محضتني النصح لكن لست أســـــمعهُ
إن المحب عن العذال في صــــــممِ

إنى اتهمت نصيح الشيب في عـــــذلي
و الشيب أبعد في نصح عن التهـــتـمِ


vendredi 6 mars 2009

الهــــريريــــات الجزء الرابــــع


الهريــــريات  الجزء الـــرابع
إبعاد أبي هريرة

ممّا سبق اتضح لنا أن فنّّاننا ليس كغيره ممن التحقوا بالإسلام من أجل الإيمان و التقوى و
 الورع
لقد رأينا أنّ قدومه على النبي تأخر لمدّة عشرين سنة ، منذ مبدإ الدّعوة إلى وقعة خيبر ،التي 
،حدثت في السنة السابعة من الهجرة!!على حين أن ّ بلاده على مرمى حجر من الحجاز . و قبل أن نسترسل في الحديث إسمحوا لي أن أفتح قوسا للتساؤل المشروع عن السبب الذي جعل فنان المضيرة يتأخر كل هذا الوقت.,
 فإذا كان ابن حجر العسقلاني قد بين في إيجاز سبب تأخر الأشعريين و ذلك في (ص 39 من ج 7 من فتح الباري)حيث جعل من هذه الأسباب أنهم علموا ما كان المسلون فيه من المحاربة مع الكفار ، فلما بلغتهم الهدنة أمنوا و طلبوا الوصول إليه) فإن لأبي هريرة شأنا غير شأن الأشعريين الذين نذكر أنهم أسلموا معه في نفس الوقت ، ذلك أنه ثبت من تاريخه أنه كان لفقره يخدم الناس بطعام بطنه!
فإذا ما انتهى إلى مسمع من هو في حاله أن هناك بمكة نبي ظهر يدعو إلى مساعدة البائسين و سدّ اعوز المحتاجين ، خفّ إليه فرحا كما فعل أبو ذر. و إذا ما بلغه أن ذاك النبي بعد أن هاجر إلى يثرب قد أصبح مأوى للمجاويع ،و أنه قد جعل للفقراء الذين يقصدونه مكانا يؤويهم إليه ، يطعمهم و يسقيهم فيه ، فإن نفسه لسوف تشرئب و لا جرم إلى ذلك. أمّا إذا ما علم أن النبي قد جعل للفقراء و المساكين نصيبا في مغانم الحرب و أنه قد اتخذ موالي و خدما !! فإنه و لا شك سيطير فرحا ، و يهيم سرورا ، و تشتدّ به الرغبة ، و يستبدّ به الطمع ، و تلحّ عليه الحاجة في أن يهرع إلى هذا النبي ليعيش في كنفه!!!و لكن أنّى له بلوغ ذلك، و كيف السبيل إليه و هو يسمع فيما يسمع أن الناس يحاربون ذاك النبي و أصحابه ، و أن النضال المسلح متصل بينهم و بينه ؛ و هو بطبعه يريدها سهلة غير ذات شوكة ، لأنه ليس من أبطال الحروب و لا عهد له بميادين القتال ، و لأنه لم يخلق إلا ليخدم و يطعم من أجر خدمته. لهذا لم يجد فناننا بدّا من الصبر على مضض و الترقب حتى تسكن غمغمة الحرب ، و يرى لمن تكون الغلبة شأنه في ذلك شأن الذين كانوا يقولون في أنفسهم:
دعوه و قومه فإن غلبهم دخلنا في دينه و إن غلبوه كفونا شره,
و ظل فنان المضيرة ينتظر حتى ظهر النبي على قومه ، و رسخت قواعد دينه ،و بسط على الأرض سلطانه . آنذاك طابت نفس فناننا و اطمأن قلبه ، و لم يلبث أن ركب رجليه، و اتخذ طريقه إلى النبي ليخدمه على ملء بطنه ، و يملأ يده من مغانمه ، و يسكن الصّفّة المأوى الذي أعدّه النبي للفقراء، و كان 
ذلك في صفر من سنة سبع للهجرة .
هذا هو قدوم فنانا على النبي و الذي إنما كا يبتغي من وراءه تحقيق مطامعه الشخصية و مآربه الذاتية ، و ليس التفقه في الدّّين كغيره من الذين أسلموا مخلصين. فهذا إياس بن عمير الحميري الذي قدم على النبي في نفر من حمير ؛إذ بينما نجد أبا هريرة يصرح تصريحا لا لبس فيه و لا إبهام بأنه جاء إلى النبي ليخدمه على ملء بطنه ؛ إذ بهذا الحميري و من معه يقولون للنبي : أتيناك يا رسول الله لنتفقّه في الدّين
 و على أننا قد رأينا ما كان من أبي هريرة لمّا سكن الصفة من الشوهة و الاستكفاف في الطرقات و الطواف على البيوتات . يقول العسجدي في إطار تعليقه على حديث أبي هريرة : لقد دارت كلمة العرب زر غبا تزدد تزدد حبّا إلى أن سمعت من رسول الله ، و لقد قالها لي، إنتهى قال العسجدي : ليست هذه الكلمة محمولة على العام ، و لكن لها مواضع يجب أن تقال فيها ، لأن الزائر يستحقّها ، ألا ترى أنه صلوات الله عليه لا يقول ذلك لأبي بكر و لا لعلي بن أبي طالب و أشباههما ، فأمّا أبو هريرة فأهل ذاك لبعض الهنات التي يلزمه أن يكون مجانبا لها و حائدا عنها,
و هذه الهنات التي يغتمزه بها العسجدي هي أنه كان لنهمه يغشى بيوت الصّحابة في كل وقت ، و كان بعضهم يزورّ عنه ، و ينزوي منه ، فإذا أراد الرسول أن يلقي عليه درسا في أدب الزيارة فذكر له المثل العربي زر غبا تزدد حبا و لم يكتف النبي بهذا القول بل كرره مرة ثانية لمّا وجده لم يرجع عن طبيعته ، و أشار عليه أن يسلك في الحياة طريقا كريما لابتغاء العيش بأن يعمل و لو بأن يحتطب
و ها هو ذا يعترف بأنه سمع هذه النصيحة من النبي . فقد روى أحمد و الشيخان عنه أنه قال : سمعت رسول الله يقول :و الله لئن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب على ظهره فيأكل و يتصدّق، خير له من أن يأتي رجلا أغناه الله عزّ و جلّ من فضله فيسأله ، أعطاه أو منعه
و يبدو أن الرسول قد نفذ صبره و هو الحليم ، و ضاق صدره ، لمّا وجد أن طبيعة الرجل قد استعصت عليه ، فقرر أن يخلّص المدينة من رذالته و الصحابة من تزلّفه ، فأفصاه إلى البحرين.
لفد لبث أبو هريرة في الصّفة يعاني فيها ما يعاني ، كما وصف ذلك بلسانه ، زمنا يبتدئ من شهر صفر سنة سبع للهجرة، و هو الشهر الذي وقعت فيه غزوة خيبر، و ينتهي في شهر ذي القعدة من سنة ثمان للهجرة . ثم انتقل بعد ذلك إلى البحرين. و بذلك يكون فد قضى في المدينة عاما و تسعة أشهر، على اعتبار أن وقعة خيبر كانت في شهر صفر كما هو المشهور. و لو أخذنا بما روى ابن سعد في طبقاته من أن هذه الوقعة كانت في جمادى الأولى لكانت مدّة صحبته للنبي أقل من عام و نصف عام. وأما في رواية أخرى، ذكرها أبو سعيد الخذري و رواها عنه ابن سعد ، أنه خرج مع النبي إلى خيبر لثمان و عشرين في رمضان ، فلو اعتمدنا عليها لرجعت صحبة فنّان المضيرة للنبي إلى سنة واحدة و شهرين ـ لا كما اشتهر بين الجمهور من أنه قضى بالمدينة حياة النبي يعني ثلاث سنين و بعضهم أوصلها إلى أربع ,على أنّ ما اشتهر بين الجمهور إنما كان أخدا بما ادّعاه هو على نفسه.
و إليك قصة ذهابه إلى البحرين و إقامته بها نوردها من أوثق المصادر و أصح الأسانيد
 بعث رسول الله (ص) منصرفه من الجعرانة (ماء بين الطائف و مكة و هو إلى مكة أقرب و على هذا الماء وزّع النبي مغانم حنين و كان ذلك في شهر ذي القعدة من سنة ثمان للهجرة)بعد أن قسّم غنائم حنين ، العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي عامل الفرس على البحرين . ( و البحرين بلد مشهور بالعراق و هي بين البصرة و عمان و كان يسكن هذه المنطقة قبل الإسلام خلق كثير من عبد القيس و بكر بن وائل و تميم .وكانت إذ ذاك تحت حكم الفرس. قال البلاذري عن عبد المنذر هذا أنه من قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين ص96 ج1 من فتح البلدان)و كتب له كتابا فيه فرائض الصّدقة في الإبل و البقر و الغنم و الثمار يصدقهم على ذلك، و أمره أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم ، و بعث معه نفرأ منهم أبو هريرة و قال له : استوص به خيرا
فقال له العلاء: إن رسول الله قد أوصاني بك خيرا فانظر ماذا تحب؟
فقال : تجعلني أؤذّن لك ، و لا تسيقني بآمين ، فأعطاه ذلك
و يتبين من هذا الخبر الصحيح أن أبا هريرة كان لا يحسن شيئا من أمور الدين أيام ذهابه إلى البحرين، إلا التأذين . فقد روى البخاري في (باب جهر الإمام بالتأميم ) قال : و كان أبو هريرة ينادي الإمام ( لا تفتني بآمين) هذا لفظ البخاري. و من شرح الحافظ بن حجر لهذا الحديث :و مراد أبي هريرة أن يؤمن مع الإمام داخل الصلاة ، و معناه لا تنازعني بالتأمين الذي هو من وظيفة المأموم ,, و قد جاء عن أبي هريرة من وجه آخر أخرجه البيهقي قال: كان أبو هريرة يؤذن لمروان فاشترط أن لايسبقه بالصلاة حتى يعلم أنّه دخل في الصّف ، و كأنه كان يشتغل بالإقامة و تعديل الصّفوف. و كان مروان يبادر إلى الدّخول في الصّلاة قبل فراغ أبي هريرة ، و كان أبو هريرة ينهاه عن ذلك . و معلوم أن مروان تولّى المدينة في عهد معاوية أي بعد سنة 41ه و قد وقع له مع غير مروان ، إذ روى سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيرين : أن أبا هريرة كان مؤذّنا في البحرين ، و أنه اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين . و الإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي ، بيّنه عبد الرزاق من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة (ص 208 و 209 < 2 فتح الباري). فأسلم المنذر و حسن إسلامه و أسلم معه أهلها و من لم يسلموا صالحهم على الجزية
و مات المنتذر بن ساوى بعد النبي قبل ردّة البحرين و العلاء عنده أميرا للرسول 
و لمّا ارتدّ أهل البحرين بعد موت الرسول ، بعث أبو بكر العلاء بن الحضرمي في جيش من المسلمين لمحاربة المرتدّين، و بينه و بينهم البحر يعني الرّقراق ، فمشوا فيه بأرجلهم و قطعوا كذلك مكانا تجري فيه السفن ،و حاربهم و انتصر عليهم,,,و بذلوا الزكاة . ثم سار إلى مدينة دارين فافتتحها و ظلّ يقاتل هناك حتى مات أبو بكر و العلاء على البحرين ، و تولى عمر والعلاء على البحرين و كان حينئذ محاصِِرأ لأهل الردّة (ص518 ج 2 من الاستيعاب لابن عبد البرّ) ، ثم بعث إليه : أن صر إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله ؛ فخرج العلاء في رهط منهم أبو هريرة . و ولّى عمر على البحرين قدامة بن مظعون ثم عزله في سنة 20 كما روى الطبري لأنه شرب الخمر و استعمل أبا هريرة بعده و كان يومئذ لا يزال هناك . فأمّا عتبة بن غزوان فهو سابع سبعة ، كان من الأمراء الغزاة و هو الذي اختطّ البصرة و أنشأها و هو الذي مصّرها لمّا استعمله عمر عليها و بنى بها مسجدا و لم يبن دارا . توفي سنة18 و قيل سنة 15 ه . و أمّا قدامة بن مظعون فهو من السابقين البدريين و لسوف نلقاه مرة أخرى في حديثنا,
و لأن ألعلاء ين الحضرمي قد تولّي البحرين عهد النبي و عهد أبي بكر و عمر ، فقد قال الذهبي : ولاه رسول الله (ص) البحرين ثم وليها لأبي بكر و عمر(ص191 ج1 سير أغلام النيلاء للذهبي )
يتبع جزء إقصاء عنان المضيرة
أبو قثم  


lundi 2 mars 2009

ممنوع من النشر 2


أبو قثم و أبو ذر الغفاري

وا معتصماه
بـخٍ ، بـخٍ ! ما أكثر الصخب و العويل و النعيق من حولك ، أي معتصم ،أيا حبيب.

بـخٍ لـك، ما أضخم خميس المؤمنين خلفك ينتظرون أن يُشفي رب الرحمة صدورهم منك ، و من أهل العلمانية أمثالك، و ينظرون... هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون؟... بـخٍ ، بـخٍ... كم صرت أغبطك على هذه المنزلة المباركة التي نلت يا معتصم، يا حبيب. و التي ما فتئت تزيدك نصرا على كل شانئيك. ألا فلتجازيك السماء و الأرض، و الأنهـار و البحار، و البيع و المعابد، و الكنائس و الصوامع، الخير كل الخير، على العلمانية و أهليها.
ألا إني قد رأيت فيما رأيت أن شرذمة من بهاليل الإيمان قد تطوّقت من حولك يٌهمّون بك و يمكرون. يظنون بك الظنون و يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدوّ. فاحذرهم، قاتلهم الله،أنّا يؤفكون.أمّا و أن لـك عليّ حقّ النصيحة و حقّ العتاب فإني لأراك قد فرطت الحرب سلاحها،و أفرغت الحقيبة زادها، إذ نزلت ميدان الوغى، نزول المنتحر.لا سلاح عليه تعوّل
و لا ركن به تحتمي. وكأني بك، لست أنت الذي خبر القوم، سعيهم في المكر. و لست أنت الذي بلوت جدّهم في الكيد، ويكيدون كيدا و اكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا. أو لا تعلم حفظك رب الرحمة أن للعلمانية عليك بدون منّ ولا سلوى حقوق وواجبات. و أن أكبر ما تدين لها به لهو إيمانك بعقلك وتقديسك لنفسك و تكريمك لشخصك و لا أظن أنه يخفى عليك أن هذه السجايا و المكرمات، ما كان للعلمانيين أن يتوفروا عليها، لولا استبحارهم في العلوم بكل أصنافها، و سبرهم أغوار المعرفة بكل أنواعها، و اتجاهاتها؛ مما يزيد بلهاء الإيمان حقدا على حقد و غيضا على غيض.أ لا إن بحر العلم لا قرار له، و أن من يدعي فيه معرفة فقد علم شيئا و غابت عنه أشياء . أ لا إن حق العلمانية عليك الاستزادة من هذا اللج العميق كي تكمُل فيك العزائم، و يقوى سلاحك على المحاجة، و تفلّ سيوف الحاقدين المتربصين. فلتستزدن، رعاك رب الرحمة. و ما أظنك من الكسالى الذين بما أوتوا يقنعون و يحسبون أنهم على شيء أ لا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون. ألا إني قد رأيت أن أحقدهم عليك قلبا و أسلطهم عليك لسانا و أخسهم بك نية و أوجسهم منك خيفة صاحبك المنتحل لشخص المدعو أبا ذر الغفاري. أ لا إني قد رأيت أن افجأكما بأشياء و أشياء مما قد انتهى إلى علمي المتواضع عن هذه الشخصية المحيرة في التاريخ . على أن بيننا قراء و قراء وإنا لهؤلاء و هؤلاء كل التقدير و الإجلال نكنّ.و أن بيننا مقص رقابة ما لنا عنه من محيد.فلتــعلم بحق العلمانية عليك و أن صاحبك أكبر العارفين، أن ابن سعد في طبقاته قد أتى على سيدنا أبي ذر الغفاري راويا: أن أبا ذر الغفاري كان رجلا يصيب الطريق، و كان شجاعا يتفرد وحده بقطع الطريق،و يغير على الصرم ـ وهم الجماعة من الناس بأعداد قليلة ـ في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه،كأنه السبع، فيطرق الحي و يأخذ ما يأخذ،ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام. انتهى كلام بن سعد . و لتـعلم أعزك رب الرحمــة، و صاحبك خير العارفين، أن سيدنا أبا ذر قال انه كان في الإسلام رابعا.و انه الذي ما أن انتهى إليه خبر الرجل الذي بمكة ظهر حتى خفّ إليه في غير إبطاء. و ما أن به اختلى صلعم حتى قذف الله في قلبه الإسلام و الإيمان .و لتعلم أنه ما أن نطق بالشهادتين بين يدي نبي الله و حبيبه المصطفى المختار حتى خرج جاهرا بالقول بها في عز سرّيتها. فناله من القوم أخذ وخيم لولا تدخل العباس دونه منبها القوم الذين اجتمعوا عليه . فيقول سيدنا أبو ذر:فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال:ويلكم، أ تقتلون رجلا من غفار و متجركم و ممركم على غفار فاقلعوا عني. هذا ما رواه البخاري عن ابن عباس عن أبي ذر. و لتعلم أن سيدنا أبا ذر بعد هذا الإعجاز العجيب قد قفل إلى أهله عائدا ثم انزوى بهم في مكان يدعى عسفان يتربصون بقوافل قريش ، فكلما أقبلت لهم عير يحملون الطعام ،يعترضهم و يجبرهم على إلقاء أحمالهم فيقول لهم :لا يمس أحدكم شيئا حتى يقول لآ إله إلا الله، فإن هم قالوا أخذوا أحمالهم، أ لا إن لله جنودا لم تروها. ثم إن سيدنا أبا ذر قد لبث بين أهليه فِـرقا من الزمان يفقههم بالدين ويعلمهم أصوله و أحكامه التي لم أفهم بعد من أين كانت تأتيه و هو الذي لم تجمعه بالرجل الذي ظهر ببكة سوى سويعات قلائل.كما أن علماءنا الأجلاء لم يحدثونا عن ان جبريل كان يعرج على غفار بالوحي. فكان هكذا أول و أكبر المتخلفين عن كل جلائل الإسلام و مكرماته.فلم يحضر معجزات نزول الوحي و لم يشارك في أفضال غزوة بدر و لا أحد و لا الخندق و لا حتى تبوك . هذا هو أبو ذر جنذب بن جنادة الغفاري الذي لم يلتحق بالنبي صلعم إلا بعد أن فات ما فات وحدث ما حدث و وقع ما وقع فلا هو من الذين رضي الله عنهم إذ يبايعونك تحت الشجرة و لا هو ممن دب عن الرسول في أحد و لا هو ممن رأوا الآيات يوم الفتح ولا هو ممن شاهد الملائكة المسومين. و مع هذا، و رغم كل هذا فقد استحق الرجل لقب الصحابي الجليل. ولله جنود السماوات و الأرض و لكن المنافقين لا يفقهون.و لتعـلم أعـزك رب الرحمة أن الرجل لم يستطع الاندماج في المجتمع النبوي المثالي الذي هيأ له الرسول الأكرم أسباب النجاح بعناية الرحمن. إذ منذ أن قدِمه في جماعة بني قومه و جيران لهم يدعون اسلم، فقالوا يا رسول الله إخوتنا،نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا فقٌال صلعم:غفار غفر الله لها و أسلم سالمها الله، لم يلبث فيه حينا حتى التحق النبي بربه. فكان أول الرافضين لبيعة ابن أبي قحافة الصديق إلا أنه ما لبث أن هدأ و استكان في عشرية عمر أمير المؤمنين ليعاود رفضه وشذوذه عن المجتمع النبوي زمن عثمان بن عفان.أيعقل أن يأنف امرؤ هكذا من مجتمع كوّنه النبي الكريم بالإلهام الرباني و حفّه الإله بالرعاية و زانه بالآيات أم لحاجة في نفس يعقوب ما قضاها.‘عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن ابن حجيرة الأكبر،عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله أ لا تستعملني فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف و إنها أمانة و إنها يوم القيامة خزي و ندامة إلا من أخذها بحقها و أدى الذي عليه فيها ،رواه مسلم. هذا هو أبو ذر الرجل الخفي المحير الذي لم يشهد مناقب الإسلام و لم يلحق بمواكب الفتح و لم يعجبه المجتمع النبوي الذي بدوره لم يعجَب بالرجل و لم يقبل به نبيا آخر بل مضى عكس ما يدعوه إليه نحو التمدن و التحضر والتقدم .
فليرحم رب الرحمة أبا ذر بن جنذب بن جنادة بما رحم به سيدنا و مولانا كعبا الأخبار و ليجازه عنا وعن الإسلام بما جازى أهل البيت الأخيار، فعن أبي حرب بن أبي الأسود قال سمعت رسول الله يقول:ما أقلت الغبراء و لا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر ،رواه الإمام أحمد. و عنه كان يقول صلعم رحم الله أبا ذر يمشي وحده و يموت وحده و يبعث يوم القيامة وحده...فيا سعده و يا فرحه
و الآن الآن، أنبئنا بحق العلمانية عليك عن أوجه التشابه بين صاحبك أبي ضر القندهاري و سيدنا أبي ذر الغفاري و عن سرّ انتحاله شخصيته و تقمصه اسمه؛ على أن لا تلتنا من أمره شيئا. فإنا لنراه بك شغوفا، و بسبّك و لعنك ولوعا.ألا إن القوم أصل الفجور، تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون. أ لا إن العلمانية مجموع ما أنتجه المجتمع البشري الإنساني ومجموع ما أجمع عليه البشر من القيم و الأخلاق و أن الجــمع بينها و بين البغي و الشذوذ الجنسي مروق عن العقل . ألا إن العلمانية لتقدس و تعظم الإنسان قويه و ضعيفه ، صحيحه و عليله، و ليس الإنسان من يقدسها .و أن الشذوذ بكل أشكاله و ألوانه طبيعة الإنسان الحر الأبي، فطرة الله ـ فاطر السماوات والأرض ـ التي فطر الناس عليها و لن تجد لسنة الله تحويلا . ألا إن العلمانية لتعترف بالشذوذ الجنسي اعترافها بحقوق الإنسان المتصف به عليها.قاصدة كشف المستور و المسكوت عنه بغية وضعه على أهل العلاج ممن يستطيعون استقصاء أسبابه و تشخيص علله واستنباط طرق استئصاله. أ لا إن هذا لهو ما يحزّ في نفوس الذين في قلوبهم مرض الذين اتخذوا أصحاب الظاهرة فيئا خالصا لهم، يستغلون ضعفهم و يمتهنون كرامتهم. ألا قبحوا من قوم وخسئت أعمالهم.
و أخيرا وليس بآخر أدعوك بحق العلمانية عليك و العلمانيين إلى إعادة قراءة القرآن الكريم والسيرة العطرة و السنة النبوية الشريفة معززا بالتاريخ و الآداب و الفلسفة و لا 
تنس المنطق فإنه من لم يقرإ المنطق لا يدخل علينا
أبو قثم

dimanche 1 mars 2009

الحياة الإجتماعية الإسلامية ج9


نكـــاح البغايـــا و اللــــواط
الإسلام يمنع البغاء و يعتبره زنا، و هو بذلك يهدم أسسه ,فهل قضى أم أبقى عليه ؟؟
على أن البغاء في الجاهلية ـ كان يخضع لتنظيم جيد و محكم ـ . فكان منه البغاء الفاحش ، ـ حيث كانت البغايا يقطنّ في خيَم خاصّة بهنّ ترفع أعلاما لمن أرادهن ـ ، كما ورد في حديث عائشة السابق الذكر, ـ و يقال إن الرايات هذه كانت حمراء . و أنهن جعلن التنحنح أو السعال علامة استعدادهن لاستقبال القادم ، و منه سميت البغي بالقحبة ، لأنها كانت في الجاهلية تؤذن طلابها بقحابها و هو سعالها ـ 
( تفسير القرآن العظيم ، بن كثير ج3 ص270)
و كان منه البغاء المنظم و الذي سميناه آنفا بنكاح الرهط ، الذي يجتمع فيه الرجال ما دون العشرة على امرأة واحدة
و كمثال عنه نورد اليوم من (الاحتجاج لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ـ باب احتجاج الحسين في مجلس معاوية ) ما يلي:
قال الإمام الحسين لعمرو بن العاص في الاحتجاج 
أمّا أنت يا عمرو بن العاص الشاني اللعين الأبتر، أنت كلب أوّل أمرك ‘ إنّ أمّك بغية و إنّك ولدت في فراش مشترك ؛ فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن حرب و الوليد بن المغيرة و عثمان بن الحرث و النضر بن الحرث بن كلّدة و العاص بن وائل ؛ كلهم يزعم أنك ابنه . فغلبهم عليك من قريش ألأمهم حسبا و أخبثهم منصبا و أعظمهم بغية....
و نعم الصّحابة صحابة رسول الله
و في السيرة الحلبية باب تزويج عبد الله أبي النبي (ص) آمنة أمه (ص) و حفر زمزم و ما يتعلق بذلك
نجد
فنكاح البغايا قسمان و حينئذ يحتمل أن تكون أم عمرو بن العاص ( رضي الله عنه و نعم بالله) من القسم الثاني من نكاح البغايا . فإنه يقال إنه وطئها أربعة و هم العاص و أبو لهب و أمية بن خلف و أبو سفيان بن حرب و ادعى كلهم عمرا فألحقته بالعاص و قيل لها لم اخترت العاص قالت لأنه كان ينفق على بناتي ؛ و يحتمل أن يكون من القسم الأول، و يدل على ما قيل أنه ألحق بالعاص لغلبة شبهه عليه؛ و كان عمرو يعيّر بذلك. عيّره بذلك علي و عثمان و الحسن و عمار بن يسار و غيرهم من الصحابة رضي تعالى عنهم,,,و نعم الرضى و نعم الراضي و نعم الصحابة
و مما ورد في سورة النّور : ( و لا تنكحوا فتياتكم على البغاء ) يستنتج أن هناك كثير من العوائل التي كانت تدفع بجواريها إلى البغاء طلبا لسعة العيش أو حتى لسدّ الرّمق ، فلمّا جاء الإسلام منع ذلك,
و يقال أن سبب نزول هذه الآية هو أن أهل الجاهلية كانوا إذا كان لأحدهم أمة مملوكة أرسلها تزني و جعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت.
 ( لسان العرب لابن منظور الجزء1 من 661 إلى662 )
و تتحدّث المصادر عن بغايا شهيرات في ذلك العصر كعناق بغي مكة و ظلمة الهذلية

اللواط

يقسم الفقه الرسمي اللواط إلى قسمين ، لواط أكبر و لواط أصغر. أما الأكبر فهو جماع الرجل للرجل، و قد تشدّد في عقوبته الإسلام تشدّد اليهودية الأولى
فمن تأليف الألباني في صحيح ابن ماجة ( المجلد ص83)نجد الرسول يقول : من وجدتموه يعمل عمل لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به
أمّا في سفر اللآويين ، الإصحاح العشرون فنجد:
إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة ، فقد فعلا كلاهما رجسا ، إنهما يقتلان ، دمهما عليهما
و ما أظن الحديث إلا موضوعا على قياس هذا الإصحاح ، لأن الآية السادسة عشر من سورة النساء و و التي تقول ضمن حديثها عن الفاحشة
و اللذان يأتيانها منكم فأذوهما ، فإن تابا و أصلحا فأعرضوا عنهما إنّ الله كان توّابا رحيما
يكاد يجمع الفقهاء على أنها نزلت في اللوطيين ،حيث ترد عقوبة اللواط و التي لا تتعدّى الإيذاء بالضرب أو بالكلام ، أو العفو عنهما في حالة إعلان التوبة
و كم هو الفرق شاسع بين الرب الذي قال بهذه الآية و ذاك الذي خسف الأرض بقوم لوط!!!
و رغم خلوّ الشعر الجاهلي من الإشارة لمثل هذا النمط الجنسي إلا أنه و كما يبدو كان معروفا في الجزيرة قبل الإسلام، وقد أتهم العديد من سادات قريش ، و منهم أبو جهل، بذلك
و أما اللواط الأصغر فهو وطء المرأة من الدبر ، الذي يثير عواصف من الخلافات بين المذاهب الفقهية, و أصل المسألة هو أن عمر بن الخطّاب قال للنبي ذات يوم : يا رسول الله هلكت .. فقال له : و ما أهلكك؟ قال : حوّلت رحلي الليلة..فلم يردّ رسول الله عليه بشيء..ثم أنزلت (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ـ البقرة ، آية222 ـ
و قد أثارت هذه الآية الكثير من التقوّلات و التأويل,ففقهاء السنة يجمعون عموما على أنه يقصد بتحويل الرحل وطء المرأة من الخلف ، لكن في الفرج ، بخلاف المذاهب الأخرى ، خصوصا الشيعة ، الذين يرون أنها تعني نكاح المرأة من الخلف ، لكن في الدبر. كما يرى السنّة أن المعني بالحرث هو الفرج الذي هو موضع الزرع ،و أفتوا بتحريم نكاح المرأة من الدّبر. باستثناء الإمام مالك الذي أباحه في كتاب منسوب إليه يدعى ـ كتاب السّر ـ ّ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج1 ص263 و كذلك فتاوى الزّواج و عشرة النساء لابن تيمية ص 193)، مطابقا في هذا التفسير فقهاء الشيعة الذين يرون جواز وطء المرأة في الدّبر، لكن بموافقتها.
فعن الإمام الرضا أنه جاءه رجل يدعى صفوان بن يحيى ، و قال : إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة هابك و استحيى منك أن يسألك. فقال له : و ما هي ؟ قال : الرجل يأتي امرأته في دبرها ؟.. قال : ذلك له.. فقال الرجل : فأنت تفعل؟ قال : إنا لا نفعل ذلك 
 (الفروع من الكافي ، الكليني ج5 ص540)
كما روي عن جعفر الصّادق أن أحدا سأله عن الرجل يأتي المرأة في دبرها فقال : لا بأس إذا رضيت . فقال له الرجل : فأين قول الله عزّ و جلّ : فآتوهن من حيث أمركم الله ؟ قال هذا في طلب الولد
( تهذيب الأحكام ، الطوسي ، ج8 ص414 و انظر أيضا في : الاستبصار فيما اختلف من الأخبار للطوسي ج3 ص242 ـ 243)

أبــــــــــو قـــــــــثم